Tuesday, August 26, 2014

قصة الإسلام في ماليزيا



وصل الإسلام إلى ماليزيا في القرن السابع الهجري، وإن كنا لا نستطيع أن نُحَدِّد بالضبط السنة التي انتشر فيها؛ وقد كانت روابط شبه الجزيرة الملايو (ماليزيا) متينة مع جزيرة سومطرة المواجهة من ناحية الغرب، والتي وصل إليها الإسلام كذلك؛ لأن أطرافها الشمالية أقرب إلى الغرب، حيث كانت تمخر السفن الإسلامية، وتتحكَّم تلك السفن في طرق المحيط الهندي البحرية، وفي موانئه وقواعده ومراكزه وبحاره، وينتقل المسلمون التجار والدعاة على السواحل يحملون مع بضائعهم العقيدة الإسلامية، التي تتلاءم والفطرة البشرية، وتعطي معاملتهم وسلوكهم وأخلاقهم صفةً تختلف عمَّا يتَّصِف به بقية التجار؛ بل كان كلُّ تصرف ينبع من تلك العقيدة، وكثيرًا ما كان الدعاة يتَّخذون التجارة وسيلة ليتَّصلوا مع السكان، وليدعوهم إلى الإسلام.

وفي سنة 676هـ أسلم ملك جزيرة (مالاقا) على يَدِ تجار مسلمين قادمين من جدة، وأطلق على نفسه اسم "محمد شاه"، وتبعه شعبه في اعتناق الإسلام، وبذا قامت أوَّل دولة إسلامية تعمل على نشر الإسلام فيمن جاورها من الجُزُر، وفي غضون نصف قرن أصبحت (مالاقا) مركزًا يَشُعُّ الإسلام على المناطق المجاورة، فأسلمت جزيرة (باهانغ) وجنوبي الملايو.

الاستعمار البرتغالي لمالاقا
ثم بدأ الاستعمار يحدو صوب ماليزيا حيث وصل البرتغاليون إلى مالاقا عام (915ه = 1509م) منطلقين من قاعدتهم "غوا" على سواحل الهند الغربية، وقاموا بهجوم على مالاقا، لكنه باء بالفشل، وبعد عامين أعادوا الكَرَّة، وقاموا بهجومهم الثاني، ولكن قبل الهجوم ألقى قائدهم البوركرك خطابًا جاء فيه: "الأمر الأوَّل هو الخدمة الكبرى التي سنُقدِّمها للربِّ عندما نَطْرُد المسلمين من هذه البلاد، ونَارَ هذه الطائفة المحمدية، حتى لا تعود للظهور بعد ذلك أبدًا... وإذا استطعنا الوصول إليها فسيترك المسلمون الهند كلها، إن غالبية المسلمين وربما كلهم يعيشون على تجارة هذه البلاد، ولقد اغتنوا، وأصبحوا أصحاب ثروات ضخمة، و"مالاقا" هي مركزهم الرئيسي، فمنها ينقلون كل عام التوابل والأدوية إلى بلادهم دون أن نستطيع منعهم، فإذا تمكَّنَّا من حرمانهم من هذه السوق القديمة لا يبقى لهم ميناء واحد أو محطة واحدة مناسبة في كل هذه المنطقة ليستمرُّوا في تجارتهم، وأُؤَكِّد لكم أنه إذا استطعنا تخليص مالاقا من أيديهم فستنهار القاهرة، وبعدها مكة نهائيًّا". وبعد أن سقطت المدينة بأيديهم دقَّتْ أجراس الكنائس في روما ابتهاجًا، وعمل البرتغاليون على محاربة المسلمين والكيد لهم بكل وسيلة ملكوها، فقتلوا وفتكوا بأعداد الأهالي.

الاستعمار الهولندي لمالاقا
وفي سنة (1051هـ= 1641م) حلَّ الهولنديون محل البرتغاليين، وتابعوا سياستهم في قتل المسلمين وملاحقتهم، وقد اتَّبع الهولنديون نظام الإقراض الرِّبَوِيِّ، فتهيَّأ لهم لذلك انتزاع الأملاك من أيدي مُلاَّكِها في مالاقا وغيرها، ولما قاوم السكان ذلك أُخْمِدَت مقاومتهم بالقوَّة، وبذلك تحطَّم نظام مالاقا الاقتصادي، وذاق أهلها الفَاقَةَ والذِّلَّة، وبدأ أهل الملايو في صراعهم مع هولندا فهاجموا المراكز والمنشآت الهولندية، ولكن هذه المقاومة كانت أقلَّ من قوَّة المستَعْمِر الذي يستعمل أحدث الأسلحة، وعَيَّن الهولنديون حاكمًا على مالاقا تابعًا للحاكم العامِّ في جاكرتا بإندونيسيا.

ونتيجة التنافس بين الصليبيِّين والاتفاقات التي حدثت بينهم لتوزيع مناطق النفوذ أصبحت المنطقة ضمن نفوذ بريطانيا منذ عام (1201هـ= 1786م)، واستأجرت شركة الهند الشرقية البريطانية جزيرة (بينانغ) من سلطان (قدح)، ومع دخول الإنجليز اتَّجهت أعداد من الصينيين والهنود نحو ماليزيا للعمل، وفتحت بريطانيا لهم الطريق، وسهَّلت لهم القدوم؛ للعمل على تقليل نسبة المسلمين.

الاستعمار الإنجليزي للملايو
وفي سنة 1824م عُقِدَت معاهدةُ تسويةٍ بين إنجلترا وهولندا، تسلَّمت إنجلترا بموجبها مستعمرات هولندا في الملايو، وسلَّمت إنجلترا إلى هولندا مستعمراتها في جاوة وجميع جزر إندونيسيا، وركَّزت بريطانيا نشاطها البحري والتجاري في سنغافورة، ثم استولت بريطانيا على الجزء الشمالي لجزيرة (بورنيو)، وقسمته إلى ثلاثة أقسام هي: سراواك، صباح، بدني، وهذه المناطق أصبحت مراكز تِجارية وعسكرية مُهِمَّة لبريطانيا، وتَكَوَّنَ منها فيما بَعْدُ الجزء الشرقي من ماليزيا.

وقامت ثورات في كثير من الأماكن في الملايو ضدَّ الإنجليز، وكانت هذه الثورات إنذارًا لبريطانيا، وانضمَّ بعض سلاطين الملايو إلى الشعب في هذه الثورات، ولم يَنْعَم الإنجليز بالاستقرار، وقد شهد مطلع القرن العشرين ثورة عارمة قام بها المجاهد المعروف بالشيخ الهادي، والذي كان قد تتلمذ بمصر على يد الشيخ محمد عبده، وعند عودته إلى الملايو أصدر مجلة سُمِّيَت مجلة الإمام تيمُّنًا بالإمام محمد عبده، وكان لها أثر كبير في ربط حركات الاستقلال بالملايو بالنهضة الإسلامية في الشرق العربي، وكانت هذه الحركات الجهاديَّة التي أتعبت المحتلِّين من الإنجليز ممهِّدة لزحف اليابان على الملايو في بداية الحرب العالمية الثانية.

"الإنجليز واليابانيون" وتخريب أرض الملايو
فقد كانت "بورمنيو"، وشبه جزيرة الملايو من بين ما احتلته اليابان في جنوب شرق آسيا، وذلك سنة (1360هـ= 1941م)، وقد وُضِعَت البلاد تحت الإدارة العسكرية اليابانية، وتمَّ تعيين رؤساء يابانيين لمختلَف دوائر الدولة، غير أن مهمَّتهم كانت الإشراف فقط، بينما كان الموظَّفون الملايويون يقومون بأعمال الإدارة المحلية الفعلية، مما أكسبهم المهارة والثقة بالنفس والتي كانوا قد فقدوها خلال الاحتلال البريطاني.

وكان الاستعمار الياباني أقسى وأعنف من الاستعمار الإنجليزي؛ فقد أساء اليابانيون معاملة الأهالي، رغم ما رفعوه من شعارات برَّاقة، وحاولوا فرض لُغتهم على الأماكن التي احتلُّوها، ووقع الشعب الماليزي تحت وَطْأَة التخريب المتبادَل بين القوات البريطانية والقوات اليابانية؛ لأن الإنجليز حاولوا تخريب البلاد قبل الاستسلام؛ فهدموا كثيرًا من الكباري، ودمَّروا المباني، وأتلفوا ما تركوه من أسلحة، ولم يكتفوا بذلك؛ وإنما أتلفوا مزارع المطَّاط والأرز، وأحرقوا كَمِّيَّات هائلة من البترول .وبعد انتهاء الحرب العالمية وهزيمة اليابان مع دول المحور، اضطرَّت اليابان للانسحاب من المناطق التي دخلتها، ومن بينها دول الملايو، الأمر الذي أعاد إنجلترا إلى قواعدها السابقة، لتحل محلَّ اليابانيين الذين غادروا المنطقة.

وبعد عودة الإنجليز اقترحوا أن يقوم اتحاد بين المحميات البريطانية التسع في الملايو، ونشأت منطقة الملايو الوطنية المتَّحدة للإعداد لهذا المشروع، وفي عام (1367هـ= 1948م) تأسَّس اتحاد الملايو، وتمتَّعت كل ولاية بحكمها الذاتي، ولكن تحت إشراف حكومة مركزية، وظلَّ الحكَّام يتمتعون بسيادتهم في الإمارات المختلفة عدا (مالاقا، وبيانغ) اللَّتَيْنِ بَقِيَتَا مستعْمَرَتين بريطانيتين.

الاستقلال والاتحاد
وفي عام (1375هـ= 1955م) وُضِعَ دستور جديد للملايو، حيث حُوِّلَتْ أكثر مسئوليات الحكومة الاتحادية إلى المجلس التمثيلي للشعب، وجَرَت انتخابات عامَّة فاز فيها التحالف برئاسة "تنكو عبد الرحمن"، حيث حصل على 51 مَقعَدًا من أصل 52.

وفي مؤتمر لندن عام (1376هـ= 1956م) تقرر استقلال اتحاد الملايو الذاتي في الشئون الداخلية، وبعد عام تمَّ الاستقلال الذاتي ضمن رابطة الشعوب البريطانية، وفي الوقت نفسه حصلت سنغافورة على الاستقلال الذاتي، وحصل قتال في سنغافورة عام (1380هـ= 1960م)؛ فأعلنت حالة الطوارئ، وبعدها بعامين جَرَت مفاوضات ليقوم اتحاد بين الملايو وسنغافورة وشمال بورنيو، وقد تمَّ فعلاً في 1963م، إلاَّ أنَّ بورنيو رغبت في البقاء وحدها، غير أن الاتحاد الذي أُطْلِقَ عليه اتحاد ماليزيا قد لقي معارضة شديدة وخاصَّة من إندونيسيا، كما لقي معارضة من الفلبين التي ترى من جهتها أن شمالي بورنيو كان دولة واحدة من جزر مولو التي هي جزء منها، ولكن اعترفت الدولتان بالأمر الواقع مع مرور الزمن، وفي عام (1385هـ= 1965م) خرجت سنغافورة من دولة الاتحاد، وأصبحت ماليزيا دولة مستقلَّة.

وهناك مجموعة من الدول في جنوب شرق آسيا بها أقليات إسلامية, يعاني فيها المسلمون من ظروف قاسية, وتضييق شديد على ممارساتهم الدينية والحياتية, وبلاد أخرى بها أكثرية إسلامية ولكنها تعاني من احتلال لأراضيها مثل ما يحدث لمسلمي فطاني, وتركستان الشرقية.



No comments: